يعتبر صيام شهر رمضان من أهم العبادات في الإسلام، حيث فرضه الله تعالى على المسلمين كما جاء في كتابه الكريم: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (البقرة: 183). وقد شرع الله تعالى للمسلمين أنواعاً من الصيام التطوعي بعد أداء الفريضة، ومن ذلك صيام الست من شوال بعد العيد، وهو موضوع بحثنا.
فضل صيام الست من شوال
ثبت فضل صيام ستة أيام من شهر شوال في السنة النبوية المطهرة، فقد روى الإمام مسلم في صحيح
ه عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ".هذا الحديث الشريف يبين الفضل العظيم لصيام ستة أيام من شهر شوال بعد صيام رمضان، حيث شبه النبي صلى الله عليه وسلم أجر صيام رمضان متبوعاً بستة أيام من شوال بأجر صيام الدهر كله، أي صيام السنة كاملة.
قال العلماء في توضيح سبب مضاعفة الأجر: إن الحسنة بعشر أمثالها، فصيام شهر رمضان (30 يوماً) يعادل صيام 300 يوم، وصيام ستة أيام من شوال يعادل صيام 60 يوماً، فيكون المجموع 360 يوماً، وهو ما يقارب عدد أيام السنة القمرية.
قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم: "وإنما كان صيام هذه الستة مع رمضان كصيام الدهر؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر، والستة بشهرين، فذلك صيام الدهر".
حكم صيام الست من شوال
اختلف العلماء في حكم صيام ستة أيام من شوال على قولين رئيسيين:
- القول الأول: الاستحباب
ذهب جمهور العلماء من الشافعية والحنابلة وبعض المالكية إلى أن صيام ستة أيام من شوال سنة مستحبة وليست واجبة، واستدلوا بما يلي:
- الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، وفيه إخبار بفضل هذا الصيام، وليس فيه أمر يدل على الوجوب.
- أن الأصل في العبادات غير المفروضة أنها سنن ومستحبات ما لم يرد دليل صريح على وجوبها.
- أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أصحابه بصيامها أمراً عاماً، ولو كانت واجبة لأمرهم بها كما أمرهم بصيام رمضان.
- قال الإمام النووي رحمه الله: "اعلم أن صيام ستة أيام من شوال بعد صوم رمضان سنة مستحبة، ليست بواجبة، وبهذا قال الشافعي وأصحابه وأحمد وداود وغيرهم من العلماء".
- القول الثاني: الكراهة
ذهب الإمام مالك رحمه الله في المشهور عنه إلى كراهة صيام ستة أيام من شوال متصلة بعيد الفطر، خشية أن يظن الناس وجوبها، أو يلحقوها برمضان فتصبح كالفرض. واستدل بما يلي:
- عدم نقل ذلك عن أهل المدينة، حيث قال: "لم أر أحداً من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف".
- الخوف من إلحاقها برمضان، فيظن الناس وجوبها، أو يظنون أن رمضان أكثر من شهر.
- الراجح من الأقوال
الراجح هو قول جمهور العلماء باستحباب صيام ستة أيام من شوال لقوة أدلتهم، وثبوت الحديث الصحيح في فضلها، ولأن الحديث صريح في ذلك، ولم يثبت ما يعارضه. أما ما استدل به الإمام مالك فيجاب عنه بأن عدم علمه بفعل أهل المدينة لا يعني عدم وقوعه، وأما خشية إلحاقها برمضان فيمكن دفعها بالتعليم والبيان.
قال الإمام الألباني رحمه الله: "والصواب قول الجمهور؛ لأن الكراهة حكم شرعي يحتاج إلى دليل، والدليل على خلافه".
كيفية صيام الست من شوال
هل يشترط التتابع؟ اختلف العلماء في اشتراط التتابع في صيام الستة أيام من شوال على قولين:
- القول الأول: لا يشترط التتابع، بل يجوز صيامها متفرقة في شهر شوال. وهذا مذهب الشافعية والحنابلة وغيرهم. قال النووي: "ولا يشترط التوالي في هذه الستة، بل لو صام ستة أيام من شوال متفرقة حصلت فضيلة هذا الصوم المذكورة في الحديث".
- القول الثاني: يستحب التتابع مباشرة بعد عيد الفطر، لكنه ليس شرطاً. وهذا اختيار بعض الشافعية. قال ابن قدامة: "ويستحب أن تصام الستة عقيب الفطر متتابعة، وإن فرقها في الشهر جاز".
- والراجح هو القول الأول، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ستاً من شوال" ولم يقيد ذلك بالتتابع، فالعبرة بصيام ستة أيام من شوال بغض النظر عن كونها متتابعة أو متفرقة.
متى يبدأ صيام الست من شوال؟
يبدأ وقت صيام الست من شوال من ثاني يوم من شهر شوال (أي بعد عيد الفطر مباشرة)، ويستمر حتى نهاية الشهر. ولا يصح صيامها في يوم العيد؛ لأن صيام يوم عيد الفطر حرام بالإجماع، لقوله صلى الله عليه وسلم: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يومين: يوم الفطر ويوم الأضحى" (متفق عليه).
هل يشترط إكمال رمضان؟
اختلف العلماء في اشتراط إكمال صيام رمضان كاملاً قبل صيام الست من شوال على قولين:
- القول الأول: يشترط إكمال صيام رمضان وقضاء ما عليه من أيام قبل صيام الست من شوال للحصول على الفضل المذكور في الحديث. وهذا مذهب الظاهرية. قال ابن حزم: "من كان عليه قضاء من رمضان فليبدأ بالقضاء، ثم ليصم ستاً من شوال".
- القول الثاني: لا يشترط ذلك، بل يجوز البدء بصيام الست من شوال قبل القضاء، والمبادرة إلى الخير أولى. وهذا مذهب الشافعية. قال النووي: "قال أصحابنا: ويحصل أصل سنة صوم الستة من شوال، سواء صامها قبل قضاء ما عليه من رمضان أم بعده".
- والراجح أن الأفضل البدء بقضاء ما فات من رمضان ثم صيام الست من شوال؛ لأن القضاء واجب والنفل مستحب، والواجب مقدم على المستحب، ولأن قوله صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان" يفهم منه إتمام صيام رمضان، وهذا لا يتحقق إلا بالقضاء.
مسائل متعلقة بصيام الست من شوال
ذهب جمهور العلماء إلى أنه يشترط تبييت النية من الليل لصيام النفل كصيام الفرض، واستدلوا بحديث حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لم يُبيِّت الصيام قبل الفجر فلا صيام له" (رواه أبو داود والترمذي والنسائي).
وذهب الشافعية والحنابلة في رواية إلى أن صيام النفل يصح بنية قبل الزوال لمن لم يأكل ولم يشرب من الفجر، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: "هل عندكم شيء؟" قلنا: لا، قال: "فإني إذاً صائم" (رواه مسلم).
والراجح التفريق بين الفرض والنفل، فيشترط تبييت النية من الليل للفرض، ويصح النفل بنية من النهار قبل الزوال لمن لم يأكل ولم يشرب.
هل تحصل فضيلة صيام الست لمن صام غيرها؟
ذهب العلماء إلى أن من صام أياماً أخرى من شوال بنية أخرى غير صيام الست، كصيام قضاء رمضان، أو صيام نذر، أو صيام كفارة، لا تحصل له فضيلة صيام الست المذكورة في الحديث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال"، فلا بد من صيام ستة أيام إضافية بعد رمضان.
قال النووي: "وإنما تحصل هذه الفضيلة المذكورة لمن صام ستة أيام غير أيام القضاء".
الحكمة من تشريع صيام الست من شوال
من حكم تشريع صيام ستة أيام من شوال استدراك ما قد يكون حصل من نقص في صيام رمضان، فإن العبادات تعتريها النقائص. قال بعض العلماء: "وقد جعل الله هذه الستة جبراً لما عسى أن يكون وقع من خلل في رمضان".
من حكم تشريع صيام الست من شوال شكر الله تعالى على نعمة التوفيق لصيام رمضان، والشكر يكون بالطاعة، ومن أفضل الطاعات بعد أداء الفرائض النوافل.
من حكم تشريع صيام الست من شوال تعويد النفس على الاستمرار في الطاعة بعد رمضان، حتى لا تنقطع عن العبادة بخروج الشهر الكريم. قال ابن رجب الحنبلي: "ومن فوائد صوم ستة أيام من شوال أنه بمنزلة صيام نافلة بعد أداء الفريضة، تكون جابرة لما فيها من نقص وخلل".
من حكم تشريع صيام الست من شوال إظهار الاستجابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وحرص المسلم على اتباع سنته، وكسب الأجر المرتب على ذلك.
آداب صيام الست من شوال
ينبغي للصائم أن يخلص النية لله تعالى في صيامه لستة أيام من شوال، ويقصد بها وجه الله تعالى، وأن يستحضر فضلها، ولا يقصد بها الرياء أو السمعة.
ينبغي للصائم أن يأخذ بالرخصة والتيسير في صيام الست من شوال، فيصومها متتابعة أو متفرقة حسب قدرته وظروفه، فالمقصود تحصيل الفضل ولا يلزم التعسير.
ينبغي للمسلم أن يحرص على المداومة على صيام الست من شوال كل عام، لأن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل.
في ختام هذا البحث، يتبين لنا أن صيام ستة أيام من شوال بعد صيام رمضان سنة مستحبة عند جمهور العلماء، وفيها فضل عظيم حيث يكون أجرها مع صيام رمضان كأجر صيام الدهر كله. وقد ثبت ذلك بحديث صحيح رواه الإمام مسلم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.