📁 آخر الأخبار

حكم صلاة العيد في المنزل

 تعتبر صلاة العيد من الشعائر الإسلامية المهمة التي شرعها الله سبحانه وتعالى للمسلمين، حيث تُؤدى في عيدي الفطر والأضحى. وهي من العبادات التي تجمع المسلمين وتوحّد صفوفهم وتظهر قوتهم وعزتهم. 

أهمية صلاة العيد في الإسلام




أهمية صلاة العيد في الإسلام

قبل الخوض في حكم صلاة العيد في المنزل، لابد من التعرف على أهمية هذه الصلاة في الإسلام وفضلها:

تحتل صلاة العيد مكانة عظيمة في الإسلام، فهي من شعائر الله التي أمر بتعظيمها، قال تعالى: "ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب" (الحج: 32). وقد واظ

ب النبي صلى الله عليه وسلم على أدائها منذ قدومه المدينة حتى وفاته.

ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحث المسلمين على الخروج لصلاة العيد، حتى النساء والعواتق وذوات الخدور، كما في حديث أم عطية رضي الله عنها قالت: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلَاةَ وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ..." (متفق عليه).

من مقاصد صلاة العيد:

  • إظهار شعيرة من شعائر الإسلام
  • اجتماع المسلمين وتوحيد صفوفهم
  • إدخال السرور على قلوب المسلمين
  • شكر الله تعالى على نعمة إتمام العبادة (صيام رمضان أو أداء مناسك الحج)
  • التكافل الاجتماعي من خلال زكاة الفطر وأضاحي العيد

حكم صلاة العيد في الأصل

حكم صلاة العيد في الأصل




اختلف الفقهاء في حكم صلاة العيد على عدة أقوال:

المذهب الحنفي:

يرى الحنفية أن صلاة العيد واجبة على كل من تجب عليه صلاة الجمعة، وهي واجب عيني عند أبي حنيفة، ومحمد بن الحسن، وواجب كفائي عند أبي يوسف.

من أدلتهم:

  • مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على أدائها
  • أمره بالخروج إليها حتى للنساء والعواتق
  • قوله تعالى: "فصل لربك وانحر" (الكوثر: 2)، حيث فُسرت بأنها صلاة العيد والأضحية

المذهب المالكي:

يرى المالكية أن صلاة العيد سنة مؤكدة (سنة عين) على الأعيان، تُسن للرجال الأحرار المقيمين القادرين، ويُندب حضور النساء اللاتي لسن بشابات ولا ذوات جمال، ويُندب حضور الصبيان المميزين.

المذهب الشافعي:

يرى الشافعية أن صلاة العيد سنة مؤكدة (سنة كفاية)، فإذا أقامها البعض سقط الإثم عن الباقين، وإن تركها الجميع أثموا، وهي كصلاة الجنازة.

المذهب الحنبلي:

يرى الحنابلة أن صلاة العيد فرض كفاية، إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، وإن تركها أهل بلد قوتلوا عليها.

من أدلتهم:

  • مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على أدائها
  • خروجه بأهله ونسائه إليها
  • اتفاق الصحابة على أدائها بعد وفاته

حكم صلاة العيد في المنزل

حكم صلاة العيد في المنزل

بناءً على ما سبق من أقوال المذاهب في حكم صلاة العيد، فإن حكم أدائها في المنزل يختلف تبعاً لاختلاف المذاهب وباختلاف الأعذار:

رأي المذهب الحنفي:

عند الحنفية، لا تصح صلاة العيد في البيت لمن لا عذر له، لأنها من الشعائر الظاهرة التي تؤدى جماعة. أما من له عذر كالمريض ونحوه، فلا تشرع له صلاة العيد في بيته، لا أداءً ولا قضاءً.

قال ابن عابدين في "رد المحتار": "لو فاتته صلاة العيد لا يقضيها، لأنها شرعت على وجه الشهرة".

رأي المذهب المالكي:

عند المالكية، لا تشرع صلاة العيد في البيت، لأنها من الشعائر الظاهرة. فمن فاتته لا يقضيها، وإنما يسن له التنفل من غير نية القضاء.

قال الدسوقي في "حاشيته": "من فاتته صلاة العيد مع الإمام، فإنه لا يصليها في بيته، لأنها شرعت على هيئة مخصوصة، وهي الاجتماع لها في مكان واحد".

رأي المذهب الشافعي:

ذهب الشافعية إلى أن من فاتته صلاة العيد مع الإمام لعذرٍ أو لغير عذر، يستحب له أن يصليها في بيته أو حيث شاء منفرداً أو جماعة، ركعتين بتكبيرات العيد، وقتها من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى الزوال.

قال النووي في "المجموع": "والصحيح في مذهبنا أنه يستحب لمن فاتته صلاة العيد أن يقضيها كما يصليها الإمام".

رأي المذهب الحنبلي:

ذهب الحنابلة إلى أن من فاتته صلاة العيد مع الإمام فإنه يصليها على صفتها، ويقضيها على صفة أداء الإمام، والأفضل أن يصليها جماعة في بيته.

قال ابن قدامة في "المغني": "ومن فاتته صلاة العيد فأحب أن يصليها فله ذلك، فيصليها ركعتين كما يصليها الإمام".

الأعذار المبيحة لصلاة العيد في المنزل

هناك عدة أعذار قد تبيح أداء صلاة العيد في المنزل، منها:

  • المريض الذي لا يستطيع الخروج إلى المصلى أو المسجد، يمكنه أداء صلاة العيد في منزله عند من يقول بمشروعية قضائها (الشافعية والحنابلة).
  • كبار السن الذين يشق عليهم الخروج، وذوو الاحتياجات الخاصة الذين يصعب عليهم الوصول إلى المصلى، يمكنهم أداء صلاة العيد في منازلهم.
  • بعض الفقهاء يرون أن الأفضل للمرأة أن تصلي في بيتها، خاصة إذا كانت ذات جمال وخُشي الفتنة، أو كانت في حالة نفاس أو حيض.
  • في حالات الأوبئة أو الكوارث الطبيعية أو الظروف الأمنية الصعبة التي تمنع اجتماع الناس، يمكن أداء صلاة العيد في المنازل عند من يقول بجواز قضائها.
  • من يسكن في مكان بعيد عن المصليات والمساجد التي تقام فيها صلاة العيد، يمكنه أداؤها في منزله على رأي الشافعية والحنابلة.

كيفية أداء صلاة العيد في المنزل

كيفية أداء صلاة العيد في المنزل

لمن أراد أداء صلاة العيد في المنزل وفق رأي من يجيز ذلك، فإليك كيفيتها:

  • وقت صلاة العيد يبدأ من ارتفاع الشمس قيد رمح (بعد حوالي 15-20 دقيقة من شروقها) وينتهي بزوال الشمس (وقت صلاة الظهر).

صلاة العيد ركعتان:

  • في الركعة الأولى: يكبر تكبيرة الإحرام، ثم يكبر ست تكبيرات زوائد (أو سبع حسب المذهب)، ثم يقرأ الفاتحة وسورة (يستحب قراءة سورة الأعلى)، ثم يركع ويسجد كأي صلاة.
  • في الركعة الثانية: يقوم ويكبر خمس تكبيرات زوائد (أو أربع تكبيرات للنهوض)، ثم يقرأ الفاتحة وسورة (يستحب قراءة سورة الغاشية)، ثم يكمل الصلاة كالمعتاد.
  • يمكن أداء صلاة العيد في المنزل جماعة مع أفراد الأسرة، ويمكن أداؤها منفرداً. والأفضل جماعة عند من يقول بجواز قضائها.
  • يستحب الإكثار من التكبير يوم العيد قبل الصلاة وبعدها، وصيغة التكبير المشهورة: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد".
  • خطبة العيد سنة وليست واجبة، فيمكن الاستغناء عنها في صلاة المنزل، ويمكن تذكير الأسرة ببعض المواعظ والأحكام بعد الصلاة.

الحالات الخاصة والفتاوى المعاصرة

فتاوى العلماء المعاصرين في جائحة كورونا

أفتى العديد من العلماء المعاصرين بجواز أداء صلاة العيد في المنازل أثناء جائحة كورونا، عندما منعت الدول التجمعات وأغلقت المساجد، ومن هؤلاء العلماء:

  • هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف
  • دار الإفتاء المصرية
  • مجمع الفقه الإسلامي الدولي
  • اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية

واستندوا في ذلك إلى قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات" وقاعدة "المشقة تجلب التيسير".

ضوابط الإفتاء بجواز صلاة العيد في المنزل

كيفية أداء صلاة العيد في المنزل




من ضوابط الإفتاء بجواز صلاة العيد في المنزل:

  • وجود عذر حقيقي يمنع من الخروج
  • أن تكون الصلاة في المنزل استثناء وليست أصلاً
  • عدم التساهل في ترك صلاة العيد في المسجد لغير عذر
  • أن يكون القصد من ذلك إقامة شعيرة من شعائر الإسلام وليس التهاون

مناقشة وترجيح

بعد عرض آراء المذاهب الفقهية وأدلتهم، يمكن القول بأن الراجح في المسألة هو مذهب الشافعية والحنابلة الذين يجيزون أداء صلاة العيد في المنزل لمن فاتته مع الإمام، وذلك للأسباب التالية:

  • إن الأصل في العبادات التيسير ورفع الحرج، كما قال تعالى: "وما جعل عليكم في الدين من حرج" (الحج: 78).
  • إن مقصود الشارع من صلاة العيد هو إظهار شكر الله على نعمة إتمام العبادة، وهذا يتحقق ولو جزئياً بأدائها في المنزل لمن فاتته.
  • قياساً على صلاة الجمعة التي لها بدل وهو صلاة الظهر، فصلاة العيد من باب أولى أن يكون لها بدل.
  • حفاظاً على الشعيرة من الاندثار في حال الأعذار العامة كالأوبئة والكوارث.

في ختام هذا المقال، يتبين لنا أن صلاة العيد من الشعائر الإسلامية المهمة التي ينبغي على المسلم الحرص على أدائها في المسجد أو المصلى مع جماعة المسلمين. لكن في حال وجود عذر يمنع من ذلك، فإن المذهب الشافعي والحنبلي يجيزان أداءها في المنزل على صفتها. 


تعليقات