تعد صلاة العيد من الشعائر الإسلامية المهمة التي شرعها الله سبحانه وتعالى للمسلمين، وهي من أبرز مظاهر الاحتفال بعيدي الفطر والأضحى المباركين. فقد جاءت هذه الصلاة لتكون تعبيرا جماعيا عن الفرح والسرور بإتمام عبادة عظيمة، سواء كانت صيام شهر رمضان المبارك في عيد الفطر، أو أداء مناسك الحج في عيد الأضحى.
حكم صلاة العيد
اختلف العلماء في حكم صلاة العيد على أقوال، والراجح من أقوال أهل العلم أنها واجبة على الرجال القادرين، وهو قول الحنفية وبعض الحنابلة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية. واستدلوا على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يداوم عليها، ويأمر بها، حتى أنه أمر النساء بالخروج إليها، حتى العواتق
وذوات الخدور والحيض، غير أن الحيض يعتزلن المصلى. كما استدلوا بأن الله تعالى قد أمر بها في قوله تعالى: فصلِّ لِربِّك وانحر [الكوثر: 2].أما المالكية والشافعية وبعض الحنابلة فذهبوا إلى أنها سنة
مؤكدة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتخلف عنها، وواظب عليها، ولكن لم يرد
دليل صريح على وجوبها.
وفي جميع الأحوال، فإن صلاة العيد من شعائر الإسلام الظاهرة
التي ينبغي للمسلم الحرص على أدائها واغتنام أجرها وفضلها.
وقت صلاة العيد
يبدأ وقت صلاة العيد من ارتفاع الشمس قدر رمح (أي بعد شروق الشمس بحوالي 15-20 دقيقة) وينتهي بزوال الشمس (أي قبل دخول وقت صلاة الظهر).
والأفضل تأخيرها قليلا حتى ترتفع الشمس ويتسع الوقت للناس ليتجهزوا ويحضروا، وهذا
هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ورد في حديث يزيد بن خمير الرحبي عن عبد الله بن بسر صاحب
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كنا نفرغ من صلاة العيد في الرمضاء"
أي: وقت ارتفاع الضحى. وكان ابن عمر لا يخرج إلى العيد إلا بعد طلوع الشمس.
وإذا لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال، ففي هذه الحالة تصلى صلاة
العيد من الغد في وقتها، لما روى أبو عمير بن أنس عن عمومة له من أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم "أن ركبا جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهدون أنهم
رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم أن يفطروا، وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم"
رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
مكان صلاة العيد
السنة أن تقام صلاة العيد في مصلى خاص خارج البلد (أي في
الصحراء أو في مكان فسيح خارج المدينة)، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان
يخرج إلى المصلى ولا يصليها في المسجد إلا لعذر كالمطر ونحوه.
ويستدل على ذلك بما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى"
رواه البخاري ومسلم.
وفي الوقت الحاضر، ومع ازدياد أعداد المصلين وضيق المساجد بهم،
فقد خصصت الدول الإسلامية مصليات كبيرة في الساحات والميادين العامة لإقامة صلاة
العيد.
آداب وسنن صلاة العيد
هناك العديد من الآداب والسنن المتعلقة بصلاة العيد، منها:
- يسن للمسلم أن يغتسل قبل الذهاب إلى صلاة العيد، وأن يتطيب
ويلبس أحسن ثيابه، للحديث المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله
عليه وسلم "كان يلبس في العيدين بردة حمراء" (رواه الطبراني). وعن جابر
رضي الله عنه قال: "كان للنبي صلى الله عليه وسلم جبة يلبسها في العيدين
والجمعة" (رواه ابن خزيمة).
- يسن للمسلم أن يأكل شيئا قبل الخروج إلى صلاة عيد الفطر، لما
روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا
يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات". وفي رواية: "ويأكلهن وترا".
- يسن تأخير الأكل في عيد الأضحى إلى ما بعد الصلاة، ليأكل من
أضحيته إن كان له أضحية، لما روى بريدة رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى
الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي"
(رواه الترمذي وصححه).
- يستحب للمسلم أن يذهب إلى مصلى العيد ماشيا إن تيسر له ذلك،
لما روي عن علي رضي الله عنه قال: "من السنة أن تخرج إلى العيد ماشيا"
(رواه الترمذي).
- يسن للمسلم أن يذهب إلى صلاة العيد من طريق، ويرجع من طريق
آخر، لما روى البخاري عن جابر رضي الله عنه: "كان النبي صلى الله عليه وسلم
إذا كان يوم عيد خالف الطريق" أي: ذهب من طريق ورجع من طريق آخر.
- يسن الجهر بالتكبير في طريق الذهاب إلى صلاة العيد والعودة
منها، لقوله تعالى: ولِتكمِلوا العِدّة ولِتكبِّروا اللّه على ما هداكم ولعلّكم تشكرون
[البقرة: 185]. وكان الصحابة رضي الله عنهم يجهرون بالتكبير في طريقهم إلى المصلى.
- وصيغة التكبير: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله،
والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد".
كيفية أداء صلاة العيد
صلاة العيد ركعتان، وتؤدى بالكيفية التالية:
- ينوي المصلي في قلبه أنه يصلي صلاة العيد (سواء كان عيد الفطر
أو عيد الأضحى) لله تعالى. ولا حاجة للتلفظ بالنية، فالنية محلها القلب.
- يكبر المصلي تكبيرة الإحرام قائلا: "الله أكبر" ثم
يكبر بعدها ست تكبيرات زوائد، فيكون مجموع التكبيرات في الركعة الأولى سبع تكبيرات
(تكبيرة الإحرام وست تكبيرات زوائد). وهذا هو مذهب الشافعية والحنابلة.
- وذهب الحنفية إلى أن التكبيرات الزوائد في الركعة الأولى ثلاث
تكبيرات بعد تكبيرة الإحرام.
- وذهب المالكية إلى أن التكبيرات الزوائد في الركعة الأولى ست
تكبيرات قبل قراءة الفاتحة، ولا تحسب تكبيرة الإحرام منها.
- والراجح هو مذهب الشافعية والحنابلة، لحديث عائشة رضي الله
عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر في الفطر والأضحى في الأولى
سبع تكبيرات، وفي الثانية خمسا سوى تكبيرتي الركوع" (رواه أبو داود وأحمد).
- يسن رفع اليدين مع كل تكبيرة من التكبيرات، حتى تكبيرات
الزوائد، لما ورد أن ابن عمر كان يرفع يديه مع كل تكبيرة.
- يستحب أن يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه
وسلم بين التكبيرات، فيقول: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله،
والله أكبر، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم".
- بعد الانتهاء من التكبيرات السبع في الركعة الأولى، يقرأ
المصلي سورة الفاتحة وسورة أخرى. ويستحب أن يقرأ بعد الفاتحة سورة "ق"
في الركعة الأولى، وسورة "القمر" في الركعة الثانية، أو يقرأ سورة
"الأعلى" في الأولى، و"الغاشية" في الثانية، فقد وردت
الأحاديث بذلك.
- بعد الانتهاء من القراءة في الركعة الأولى، يركع المصلي ثم
يسجد سجدتين كسائر الصلوات.
- بعد الانتهاء من سجود الركعة الأولى، يقوم المصلي للركعة
الثانية.
- يكبر المصلي في الركعة الثانية خمس تكبيرات زوائد قبل قراءة
الفاتحة. وهذا هو مذهب الشافعية والحنابلة.
- وذهب الحنفية إلى أن التكبيرات الزوائد في الركعة الثانية ثلاث
تكبيرات قبل القراءة.
- وذهب المالكية إلى أنها خمس تكبيرات.
- والراجح هو مذهب الشافعية والحنابلة، للحديث السابق عن عائشة
رضي الله عنها.
- بعد الانتهاء من التكبيرات الخمس في الركعة الثانية، يقرأ
المصلي سورة الفاتحة وسورة أخرى، كما ذكرنا سابقا.
- بعد الانتهاء من القراءة في الركعة الثانية، يركع المصلي ثم
يسجد سجدتين، ثم يجلس للتشهد، ثم يسلم.
خطبة العيد
بعد الانتهاء من صلاة العيد، يقوم الإمام بإلقاء خطبة العيد.
وخطبة العيد سنة بعد الصلاة، بخلاف خطبة الجمعة التي تكون قبل الصلاة، لما رواه
ابن عباس رضي الله عنهما قال: "شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأبي بكر وعمر وعثمان، فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة" (متفق عليه).
ويستحب افتتاح خطبة العيد بالتكبير تسع تكبيرات في الخطبة
الأولى، وسبع تكبيرات في الخطبة الثانية، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يكبر في خطبة العيد.
أحكام وفتاوى متعلقة بصلاة العيد
يستحب للمرأة أن تشهد صلاة العيد، لقول النبي صلى الله عليه
وسلم: "ليخرجن العواتق وذوات الخدور والحيض، فليشهدن الخير ودعوة المسلمين،
ويعتزل الحيض المصلى" (رواه البخاري). ولا حرج عليها إن لم تخرج.
من فاتته صلاة العيد مع الإمام، فله أن يصليها قضاء على صفتها،
يصليها ركعتين يكبر في الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمس تكبيرات، كما ذكرنا.
وقيل: يصليها أربع ركعات كصلاة الضحى.
من أدرك ركعة من صلاة العيد مع الإمام، فقد أدرك الصلاة، وعليه
أن يأتي بالركعة الثانية على صفتها: يكبر فيها خمس تكبيرات ثم يقرأ الفاتحة وسورة.
لا تشرع صلاة النافلة قبل صلاة العيد ولا بعدها في المصلى،
لعدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن عباس رضي الله عنهما:
"أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا
بعدها" (رواه البخاري ومسلم).
أما في المسجد، فلا بأس بصلاة تحية المسجد.
في ختام هذا المقال حول كيفية أداء صلاة العيد، نؤكد على أهمية
هذه الشعيرة العظيمة في حياة المسلمين، ودورها في تعزيز روح الجماعة والأخوة
بينهم. فصلاة العيد ليست مجرد شعيرة تعبدية، بل هي مناسبة اجتماعية تجمع المسلمين
من مختلف الطبقات والفئات في صعيد واحد، يشتركون في الفرح والسرور، ويتبادلون
التهاني والتبريكات.