مضت عشر سنوات تقريبًا منذ أن تركت مصر وقررت الانتقال إلى الغرب. بدأت رحلتي في أيرلندا، ثم شددت الرحال إلى جارتها إنجلترا. ولكن، هل وجدتُ ما كنت أحلم به وأتمناه منذ أن اتخذت هذا الاتجاه؟ في السطور التالية، سأشارككم ببعض ما تخيلته وما توقعته، وما إذا كان ذلك يتطابق مع ما شاهدته بعيني أم لا.
التطور العلمي والتكنولوجي:
تخيلت أن الغرب يعني العلم والتكنولوجيا والتطور، وأنني سأتعلم العلم الحقيقي وأتخصص من جديد. لكن ما شاهدته كان خليطًا من الحقيقة والخيبة. هناك أماكن متطورة جدًا، وأخرى بمستوى أقل من نظيراتها في العالم الثالث. صحيح أن التعلم واكتساب المهارات ممكن، لكنه يتطلب جهدًا كبيرًا، وسنوات طوال من التضحيات والصبر، كما هو الحال في أي مكان آخر.
التأقلم مع الغربة:
توقعتُ أنني سأتمكن من التأقلم مع الحياة في الغربة بسرعة، وأن مشاعر الحنين إلى الوطن والأهل ستتلاشى تدريجيًا. ولكن الواقع كان مختلفًا تمامًا. بعد مرور عشر سنوات، لم يحدث ذلك، وأستطيع القول بأن تجربة الغربة كانت قاسية جدًا على المستوى النفسي. الحياة الاجتماعية هنا جافة، وساعات العمل طويلة، والجو متقلب في معظم أوقات السنة.
تربية الأبناء في الغرب:
اعتقدتُ أن تربية الأبناء، رغم صعوبتها، ممكنة طالما أن البيت محافظ والأسرة ملتزمة. لكن ما شاهدته كان مختلفًا. التأثير الكبير للمجتمع على الطفل يجعل تربية الأبناء والحفاظ على هويتهم ودينهم في المجتمع الغربي تحديًا كبيرًا. ظننتُ أنني سأستطيع مواجهة هذا التحدي وحدي، لكن الواقع كان أكثر تعقيدًا.
ثقافة المواطن الغربي:
تصورتُ أن المواطن الغربي مثقف جدًا، وأن القراءة جزء من حياته اليومية. لكن الواقع كان مختلفًا. ما شاهدته هو أن المواطن الغربي، كغيره، يجتهد في البحث عن لقمة العيش، وتسيطر عليه الآلة الإعلامية بسهولة. ما راعني أيضًا هو تفشي إدمان الكحوليات والمخدرات، خاصة بين العاطلين.
الحفاظ على الدين والهوية:
توقعتُ أنني سأستطيع الحفاظ على ديني وهويتي بسهولة. ولكن، ما شاهدته هو أن هذا ممكن، لكنه صعب جدًا، وستتأثر بشكل أو بآخر. قال لي أحدهم قديمًا: "كيف يستطيع محمد أن يحفظ دينه في أوروبا ونحن نجاهد لنحفظ ديننا في الزقازيق؟" وكان هذا سؤالًا مشروعًا.
في النهاية، هذه تجربتي الشخصية، قد أصيب وقد أخطئ، أضعها أمامكم لتقرروا بأنفسكم. ورغم كل ما ذكرت، لا أريد أن يفهم من كلامي أن إنجلترا بلد سيئ. على العكس، إنجلترا أعطتني الكثير: تدريبًا، شهادة، وجنسية بجواز سفر أجنبي. أحب هذا البلد وأقدر ما قدمه لي، لكنني أردت أن أسلط الضوء على بعض الجوانب الهامة لمن يهتم بهذه الأمور.
والسلام عليكم.
من حائط : Besher Mohamed
- كتبت البوست هذا من باب الأمانة والمصداقية، لأني أعلم أن هناك الكثيرين يتابعون تجربتي في الغربة ويستوحون منها قراراتهم. كان من الضروري أن أنقل الصورة بكل تفاصيلها، بما فيها من مشكلات ومميزات، حتى يكون القرار مبنيًا على وعي كامل.
- أنا لا أحتاج لتبرير أو توضيح وجهة نظري لأحد، ولم أطلب من أحد أن يتقبل أو يوافق على ما أقول. هذه مجرد تجربتي الشخصية التي شاركتها معكم بكل وضوح، وما أكتبه يعبر عن قناعاتي وأولوياتي الخاصة.
- أستغربت من بعض الزملاء الذين انزعجوا من البوست، بحجة أنه قد يثير "بلبلة" أو "يضعف الهمم". لكل شخص الحق في تقييم تجربته واتخاذ ما يراه مناسبًا له. لم أقصد التأثير على أحد بقراراتي، بل كان الهدف فقط نقل التجربة بصدق.
- شكرًا على النصائح حول الذهاب إلى الخليج أو غيرها من الاقتراحات، لكن هدفي الآن هو تقييم وضعي الخاص واتخاذ القرارات المناسبة لي ولأسرتي. إذا كان هناك شيء يستحق النشر، فسأشاركه معكم.
- للأحباء المتابعين بهدوء: قناعتي الحالية أن السفر مفيد لفترة محددة فقط، ولكن بشرط أن تكون الأهداف واضحة والخطة محددة بمدة زمنية. عندما تصل لما تريده، سواء كان ذلك تعليماً أو تدريباً أو شهادة أو جنسية، حان الوقت للانتقال إلى بلد تستطيع فيه تربية أبنائك بسلام.